dimanche 9 juin 2013

مشروع القانون الأساسي المتعلق بالتحصين السياسي أي مشروعية ؟ أي دستورية ؟

تقدم منذ مدة عدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي ينتمون لكتل برلمانية مختلفة، نخص بالذكر منها كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وكتلة حركة النهضة وكتلة وفاء بمشروعي قانون يتعلق الأول بتنقيح المرسوم عدد87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 نوفمبر 2011 حول الأحزاب السياسية ويتعلق الثاني حسب المبادرين به "بالتحصين السياسي للثورة" تولى إحالتهما رئيس المجلس على لجنتي التشريع العام من جهة والحقوق والحريات من جهة ثانية. وقد فررت لجنة التشريع العام دمج المقترحين "اعتبارا أنهما متحدين في الموضوع". وقد جاء في شرح أسباب مقترح مشروع تحصين الثورة ما يلي: "إن من طبيعة الثورات وخاصة السلمية منها أن تنشأ غضة طرية وسرعان ما تعالجها رياح سموم الثورة المضادة التي تسعى لاقتلاع النبتة من أصولها أو على الأقل تشويه نموها وحرفها (هكذا) عن اتجاهها الصحيح و وإن من واجب القائمين والمؤتمنين على الثورات أن يبادروا إلى تحصين الثورة منذ بدايتها لتتمكن من تثبيت أصولها في عمق الأرض التي نشأت عليها ومد فروعها وارفة نحو الأفق الذي ترنو إليه. وقد كان من واجب من تحملوا المسؤولية غداة الثورة أن يبادروا لسن قانون يحصنها من عودة الفاعلين في الاستبداد ولكن ذلك لم يتحقق لأسباب عدة، وما كان لهذا النقص الفادح أن يتواصل فمن واجبنا تجاه الثورة والوطن وتحقيقا لبعض أهداف الثورة وبرا بعهد الوفاء لدماء الشهداء والجرحى وحتى يكونفي مجلسنا رجع لصدى الصيحات والحناجر التي بحت (هكذا) في اعتصامات القصبة منادية بتحصين الثورة من أعداءها فقد رأينا أن نبادر لتقديم مشروع قانون في التحصين السياسي للثورة". يخال السامع أو القارئ لهذا المقتطف من شرح الأسباب أنه نص صادر عن قلم الطاغية السوفييتي ستالين لما أباد الملايين من أبناء شعبه بادعاء انتماءهم للثورة المضادة أو عن قلم الزعيم الصيني ماوتسي تونغ لما أطلق عنان الثورة الثقافية أو من لا يقل على الأولين طغيانا ودموية الكمبودي بول بوت لما صفى هو الآخر باسم تحصين الثورة الملايين من أبناء شعبه الأبرياء. وقد اقتصرنا على ذكر هؤلاء الثلاثة حتى لا نغور في طيات التاريخ. فكم من جرائم إبادة جماعية وكم من جرائم في حق الإنسانية ارتكبت بدعوى تحصين الثورات والدفاع عنها. و ينص الفصل الأول من مشروع القانون الذي يقع في في أحد عشر فصلا دون تبويب على الهدف من مشروع القانون وهو : "إرساء التدابير الضرورية لتحصين الثورة تفاديا للالتفاف عليها من قبل الفاعلين في النظام السابق". وسوف نحاول في هذا التعليق على المشروع التعرض بداية لمدى مشروعية هذا القانون قبل أن نحلل مدى دستوريته. 1 – مشروع فاقد لكل مشروعية يستنتج من خلال ما جاء في شرح الأسباب من جهة، ومن خلال ما نص عليه الفصل الأول من المشروع من جهة ثانية، أن غاية هذا القانون أخلاقية سامية. فهو يرنو إلى "تحصين ألثورة" أي إحاطتها بحصن أي بجدار دفاعي أو برباط وقاية لها من "الالتفاف" عليها ممن يتربص بها من "الفاعلين في النظام السابق". ورغم الإبهام المطلق لمختلف هذه العبارات والجمل، يفهم من السياق العام الذي تمر به البلاد، أن الثورة المعنية هي الثورة التونسية المنعوتة بثورة الكرامة والحرية المندلعة رسميا يوم 17 ديسمبر 2010 والمتوجة بهرب رئيس الدولة آنذاك، زين العابدين بن علي، يوم 14 جانفي 2011. أما المتربصون بالثورة فهم حسب التعبيرات المتداولة أزلام أو رموز أو فلول النظام السابق وقد نعتوا في المشروع بكونهم "الفاعلين في النظام السابق" لتوفر صفات فيهم خلال فترة تاريخية معينة "في الدولة أو في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المحلول" (هكذا : المحلول). وللتدقيق في مدى رجاحة هذا المشروع وجب التوقف عند الفئات والأشخاص المستهدفين الذين يضع مشروع القانون على كاهلهم قرينة الالتفاف على الثورة. فالالتفاف على الثورة لم يعرف لا صراحة ولا تلميحا، بل وقع التعامل معه على أنه معطى موضوعي وأن توفره حكر على من نعتوا ب" الفاعلين في النظام السابق" وهم حسب المشروع الذين تولوا مسؤوليات معينة صلب الدولة او حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (المحلول) بين 7 نوفمبر 1987 و14 جانفي 2011، علما أن الفصل 2 من المشروع تعامل بانتقائية مشبوهة مع مختلف الوظائف إذ ادرج بعضا منها دون أخرى خاصة عضوية مجلس المستشارين. وإذا حاولنا التعمق في مفهوم الالتفاف على الثورة أو مفهوم قوى الثورة المضادة، لتبين لنا أن هذا المفهوم تم تعريفه بالرجوع إلى صفات إدارية أو سياسية أو حزبية تقلدها شخص مدة من الزمن ولم يعرف اعتمادا على أفعال مادية مخالفة للقانون أتاها فرد أو جماعة للرجوع إلى الوراء والدعوة للتخلي عن المبادئ التي قامت من أجلها الثورة، وعليه فإن القوى المضادة للثورة يمكن أن تنتمي لأي تيار فكري أو سياسي أو ديني أو ثقافي أو اجتماعي ويمكن أن تتوفر على حد السواء في الفاعلين في النظام السابق ولكن أيضا في الفاعلين في النظام الحالي الذين تنكروا لمبادئ الثورة وانحرفوا بها لإقامة نظام تيوقراطي استبدادي وللاستيلاء على مفاصل الدولة وذلك بشهادة رئيس الجمهورية المؤقت نفسه وبالتمديد في التفويض الشعبي إلى ما لا نهاية له وبالتغاضي عن ممارسي العنف والقتل والإرهاب والتسامح مع الخارجين عن القانون. انطلاقا من هذه المعطيات يبدو جليا أن الهدف الحقيقي وغير المعلن من هذا المشروع ولكنه غير خاف عن أولي الألباب بعيد كل البعد عن كل غاية أخلاقية و الهدف ليس تحصين الثورة بل هو تحصين فئة سياسية معينة ألا تفض التداول عن السلطة والاحتكام لصاحب السيادة أربكتها استطلاعات الرأي التي أكدت بصفة منتظمة تنامي شعبية حزب حركة نداء تونس ورئيسه الأستاذ الباجي قائد السبسي فلم تجد غير هذه الطريقة الخسيسة لإقصاء أهم خصومها السياسيين. فهي غير واثقة في نفسها وتعتبر أن الناخب قاصر لا يتقدم لنيل صوته إلامن يرضى عنه النظام الحا لي وخاصة حزب النهضة لا غير. وفي هذا المعنى كتب الأستاذ حاتم مراد : " En Tunisie, la loi d’exclusion se veut une vengeance collective, radicale, sans nuance, sans distinction, contre toute l’ancienne classe politique au pouvoir mise dans le même sac : les mauvais, les moins mauvais et les bons » إضافة إلى كل هذا، فإن هذا المشروع، إذا ما تمت المصادقة عليه ثم إصداره ونشره، غير قابل للطعن بعدم الدستورية أمام مجلس أو محكمة دستورية باعتبار غياب مثل هذا الهيكل في ما يعبر عنه ب"الدستور الصغير"، شأنه في ذلك شأن القوانين الجائرة التي صدرت قبل ديسمبر 1987، أي قبل إنشاء المجلس الدستوري. فالمجلس التأسيسي أسند لنفسه جزافا، بمقتضى القانون التأسيسي عدد 6 الصادر في 16 ديسمبر 2011، سلطة تشريعية غير مقيدة وغير خاضعة للرقابة، ويا لخيبة المسعى. فالشعب التونسي، الذي رفعت ثورته شعار الحرية ودولة الحق، يجد نفسه اليوم بين مخالب مشرع، أي في الواقع أغلبية سياسية نسبية، طليقة اليدين تسطر له وتفصل ما تشاء من القوانين، كلها محل جدل ومعارضة ولا معقب ولا رقيب عليه. 2 – مشروع مخالف للمبادئ الدستورية الحالية من المفارقات العجيبة أن مشروع القانون الأساسي موضوع دراستنا مخالف لما سطره ووضعه المجلس الوطني التأسيسي نفسه في القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية. كما إنه مخالف لقرار المجلس القومي التأسيسي الصادر في 25 جويلية 1957 المتعلق بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.وهو أيضا مخالف للمبادئ العامة للقانون 2 – 1 . خرق مشروع القانون للقانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية نعت القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية ب"الدستور الصغير" معنى ذلك أنه يعتبر، وإلى حين صدور الدستور الجديد، المرجع والمعيار لكل شرعية قانونية، فهذا النص منزل منزلة الدستور المؤقت ويحتل المرتبة العليا في هرم القواعد القانونية وعليه فإن النصوص التشريعية لا بد أن تكون مطابقة لنصه ولروحه ومتلائمة معهما. وبتحليلنا لمقتضيات مشروع القانون الأساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة سوف نبرز أن هذا المشروع مخالف لما جاء في توطئة الدستور الصغير وخاصة لما نصت عليه الفصول 4 و6 و24. 2 – 1 -1 . خرق توطئة القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية اقتضت توطئة "الدستور الصغير" ما يلي : "وحرصا على إنجاح المسار التأسيسي الديمقراطي وضمان الحريات وحقوق الإنسان". ويترتب عن هذه الجملة أن مهمة المجلس الوطني التأسيسي تتمثل في إنجاح المسار التأسيسي وذلك بضمان أحسن الظروف وأصلح الممهدات لممارسة ديمقراطية حقة تتيح لكل مواطن ممارسة جميع حقوقه السياسية والمدنية دون تقييد أو شروط إقصائية وعلى قدم المساواة مع جميع المواطنين. ومن هذه الحقوق الأساسية حق الانتخاب والترشح و ممارسة الوظائف العمومية دون تمييز من أجل العرق أو الأصل او الجنس أو الانتماء السياسي. وقد التزم المجلس الوطني التأسيسي بضمان الحريات وحقوق الإنسان وذلك لا يتسنى بالإقصاء والتمييز بين المواطنين الذين لم يثبت في شأنهم ارتكاب جرم أو جنحة تخول حرمانهم من حقوقهم. وباعتبار أن مشروع القانون الأساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة استثنى عددا من الأشخاص المعينين صراحة من أجل اضطلاعهم بمسؤوليات سياسية أو إدارية معينة خلال الفترة المتراوحة "بين 7 نوفمبر 1987 و 14 جانفي 2011" وحرمهم من حقوقهم الثابتة لمدة زمنية حددها مشروع القانون ب"سبع سنوات من تاريخ دخول القانون حيز النفاذ".وقد بين الفصل 2 من المشروع الفئات المعنية بالحرمان و هي : - وزير أول أو وزير أو كاتب دولة أو مدير أو عضو بديوان رئيس الجمهورية ممن لهم رتبة وزير. - مرشح الحزب المذكور لمجلس النواب - رئيس أو أمين عام أو أمين عام مساعد أو عضو الديوان السياسي أو اللجنة المركزية أو كاتب عام أو عضو لجنة تنسيق (باستثناء ممثل المقاومين) أو كاتب عام او عضو جامعة ترابية أو مهنية (باستثناء ممثل المقاومين) أو رئيس شعبة ترابية أو مهنية أو مدير ممركز الدراسات والتكوين. - رئيس أو عضو الهيكل المركزي ل"منظمة الشباب الدستوري الديمقراطي و منظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي - كل من ناشد زين العابدين بن علي للترشح لانتخابات 2014" أما ميدان الحرمان فينطبق على ما يلي : - الترشح لرئاسة الجمهورية أو لعضوية المجلس المكلف بالتشريع أو لعضوية أو رئاسة الجالس البلدية أو أي مجالس لها صفة الجماعات العمومية - تولي رئاسة الحكومة أو عضويتها - تولي إدارة ديوان رئيس الجمهورية أو ديوان رئيس الحكومة أو ديوان رئيس الجلس المكلف بالتشريع - تولي مهمة المحافظ أو المحافظ المساعد للبنك المركزي التونسي - تولي مهمة سفير أو قنصل أو وال أو معتمد - رئاسة أو عضوية أي من الهياكل القيادية المركزية أو الجهوية في الأحزاب السياسية أو عضوية هيئاتها المؤسسة مع التذكير من ناحية أن منطلق تاريخ الإقصاء عين في المشروع الأول 2 أفريل 1989 وأن من ناحية أخرى العديد من الفئات المحرومة من الحقوق كانت تعرضت لعقاب الحرمان من الترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي بمقتضى الفصل 15 من المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المتعلق بانتخاب مجلس وطني تأسيسي. 2 – 1 – 2. خرق الفصول 4 و 6 و 24 أقتضى الفصل 4 من الدستور الصغير أن المجلس الوطني التأسيسي يمارس "السلطة التشريعية طبقا لهذا القانون" أي أن النصوص التشريعية الصادرة عن المجلس لا بد أن تكون مطابقة لمقاصد القانون التأسيسي ولمنطوقه وهذا يحيلنا على ضرورة ضمان الحريات وحقوق الإنسان وهذا ما لا يتوفر في المشروع أما الفصل 6 من الدستور الصغير فقد وقعت أيضا مخالفته. فهذا الفصل حدد على سبيل الحصر النصوص التي تتخذ شكل قانون أساسي ولم يشر إلى اتخاذ نص ل"تحصين الثورة". كما إن المشروع مخالف للفصل 24 من الدستور الصغير المتعلق بالعدالة الانتقالية الذي كلف المجلس التأسيسي بسن قانون أساسي للعدالة الانتقالية وضبط أسسها ومجال اختصاصها. لكن المجلس تخلى عن هذه المهمة وانحرف بالسلطة صارفا اهتمامه عن مشروع العدالة الانتقالية الذي أعدته هيئة مختصة وتقدمت به الحكومة ومركزا على قانون تحصين الثورة الذي لا مستند قانوني له. 2 – 2. خرق قرار المجلس القومي التأسيسي الصادر في 25 جويلية 1957 المتعلق بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية ورد في اطلاعات الدستور الصغير ذكر قرار المجلس القومي التأسيسي الصادر في 25 جويلية 1957 المتعلق بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية. وكما هو متعارف فإن هذا القرار يتمتع بقيمة فوق دستورية وما ذكره في الاطلاعات المذكورة إلا تأكيد لبقائه حيز النفاذ. وقد تعرض هذا القرار الى أن السير في طريق النظام الديمقراطي هو وجهة المجلس والنظام الديمقراطي يقوم على تحكيم الشعب صاحب السيادة ولا يخول لأي كان أن يختا باسمه أو أن ينتقي له من هو جدير بالترشح للانتخابات أو لتقلد وظيفة عمومية. 2 – 3. خرق المبادئ العامة للقانون المتفق عليها بين الأمم تشكل المبادئ العامة للقانون في القانون الوطني وفي القانون الدولي مصادر للأحكام يرجع إليها القاضي المدني والإداري والدستوري والدولي أو كل من هو مكلف بتطبيق القانون للمحافظة على الشرعية القانونية وضمان حقوق الناس ضد كل الانتهاكات مهما كان مأتاها. وبالرجوع لمقتضيات مشروع القانون الأساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة نلاحظ أن هذا المشروع ينتهك انتهاكا صارخا عددا لا يستهان بها من المبادئ العامة للقانون الراسخة في بلادنا والمتفق عليها دوليا حتى أن بعضها ارتقى لمرتبة القواعد الآمرة للقانون الدولي . فقد استحدث المشروع محل اهتمامنا عقوبة الحرمان من مباشرة عدد من الحقوق السياسية وتقلد بعض المناصب في الدولة والأحزاب السياسية عن وقائع سابقة لصدوره مخالفة للمبدأ القانوني الراسخ مبدأ عدم رجعية العقوبات. من ناحية أخرى فقد أنشأ المشروع قرينة إدانة ورتب عنها جزاء قانونيا يتمثل في عقبة جماعية دون حكم قضائي صادر إثر محاكمة عادلة تضمن فيها جميع الضمانات للمظنون فيه للدفاع عن نفسه وفي ذلك خرق سافر لمبدأ قرينة البراءة من ناحية ولمبدأ شخصية العقوبة من ناحية أخرى هذا علاوة على تجاوز المشرع لصلاحياته بممارسة اختصاص هو من صميم اختصاص السلطة القضائية و هذا يعد تجاوزا غير مقبول لمبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلال القضاء. وقد كانت المحكمة الدستورية العليا المصرية أكدت ذلك في حكمها الصادر في 14 جويلية 2012 بقولها: كما أسس المشروع عقوبات الحرمان من الحقوق والإقصاء من الحياة السياسية الواردة فيه على مجرد صفات وحالات لا على أفعال مادية معينة أو جرائم أو جنح أو مخالفات معروفة ومضبوطة بنصوص قانونية سابقة الوضع بل إنه ميز اعتباطا ودون معايير موضوعية مجردة وغير مشخصة بين بعض من تلك الوظائف دون أخرى مثل تغاضيه (لأمر واضح) عن إقحام عضوية مجلس المستشارين ضمن قائمة الوظائف الموجبة للحرمان والإقصاء. أخيرا فإن هذا المشروع مناف لمبدأ المساواة بين الموطنين الذي يعتبر الأساس للحقوق والحريات مهما كانت طبيعتها ضد كل تمييز قد ينال من الحق أو من الحرية. وإذا كان للمشرع الحق في تنظيم ممارسة الحق أو الحرية مع ضمان تكافأ الفرص فإن ذلك لا يخول له أبدا أن يسن تدابير وإجراءات تنم عن توجهات حزبية وحسابات فئوية تثير الضغائن والأحقاد و تقسم المجموعة الوطنية إلى مجموعات متناحرة. وباعتبار ان كل ما جاء في الشروع قد تضمن حرمانا لفئات من الشعب التونسي من مباشرة عدد من الحقوق السياسية ومن تولي بعض المناصب في الدولة لمدة سبع سنوات لمجرد تقلدهم مناصب حكومية أو حزبية أو انتخابية خلال كامل الفترة المتراوحة بين 7 نوفمبر 1987 و 14 جانفي 2011 فإنه يكون قد أقر تمييزا تشريعيا بين المواطنين التونسيين لا يرتكز على أسس او معايير موضوعية ومنطقية ويضع فوارق مصطنعة مخالفة لمبدأ المساواة ولمبدأ العدل بين المواطنين. كما إن المشروع لم يشترط إثبات أن من تولى المناصب الموجبة للإقصاء ارتكب أفعالا مخالفة للقانون كالرشوة والفساد أو التعذيب أو تجاوز السلطة. هكذا يتبين أن مشروع القانون الأساسي المتعلق بالتحصين السياسي للثورة مناف لأبسط المبادئ القانونية وأبعد ما يكون عن المفاهيم الديمقراطية وعن مستلزمات دولة الحق ويشكل انحرافا بالسلطة التشريعية ومصادرة لشعب صاحب السيادة في اختيار ممثليه دون وصاية و طريقة لا أخلاقية لتمكين أغلبية اليوم من التخلص من منافسين سياسيين وعدم مواجهتهم سياسيا في نطاق انتخابات حرة ديمقراطية مفتوحة شفافة ونزيهة.