samedi 22 février 2014

محاولة إحياء الفصل 15 منافية للدستور الشروق 21/02/2014

انطلق عنان قريحة الراسخين في علم تأويل الدستور لتبرير مسألة العزل السياسي واقصاء فئة من المواطنين التونسيين من حق الترشّح للانتخابات بعد فشلهم في تمرير قانون «تحصين الثورة» وفشلهم في فرض منطق الاقصاء صلب الدستور، وذلك بفضل الوقفة الحاسمة للقوى الديمقراطية ومكوّنات المجتمع  المدني.
فبمناسبة استئناف اجتماعات لجنة التشريع العام وانطلاق النقاش العامّ صلبها حول القانون الانتخابي المنظم للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، طرحت مجدّدا مسألة تضمين فصل في مشروع القانون الجديد يكرّر الفصل 15 السيّئ الذكر من المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 . وخرج علينا المقرر العامّ للدستور بفتوى تقضي بأن تضمين مثل هذا النص في القانون الجديد غير مناف للدستور الجديد بل مطابق للفصل 53 منه الذي اقتضى استثناء حالات الحرمان التي يضبطها القانون من حق الترشّح معتبرا أنّه يمكن للمشرع تقرير حالة أو حالات حرمان مهما كانت ليكون ذلك مطابقا للدستور مؤكدا أن للمشرّع سلطة تقديرية مطلقة ليحرم من أراد من حق الانتخاب أو من حق الترشّح الذي ضمنه الدستور وضمنته المواثيق الدولية العالمية والاقليمية .
ومم لا شكّ فيه مثل أن الهذه الفتاوى السفطائية تدخل في نطاق ذرّ الرماد على العيون واستباق كل المآخذ القانونية الجدية والعميقة على محاولات الاقصاء.
لقد غاب عن ذهن مقررنا العامّ أنّ حالات الحرمان التي يمكن للمشرع سنّها خاضعة لضوابط اجرائية وموضوعية دقيقة جدّا وأنّها تخضع لتعريف قانوني مضبوط في الفقه والقضاء الدستوري.
فما هو مفهوم حالات الحرمان في القانون الدستوري وفي القانون الانتخابي؟
يجمع فقهاء القانون الدستوري على أن حالات الحرمان من الترشّح للانتخابات (Inéligibilités ) تتمثل في «وضعية أشخاص يمنعون ما حق الترشّح للانتخابات بفعل القانون» وهذه الوضعية ناتجة امّا عن « عدم توفر أحد شروط الترشّح» (مثل شرط السنّ أو شرط الجنسية أو شرط الأهلية الذهنية) وامّا عن « صدور قرار قضائي بعقاب الشخص لارتكابه جنحة أو جناية» . ويقدم الأستاذان جان جيكال وبيار أفريل تقريبا نفس التعريف، فبالنسبة لهما يتمثل الحرمان من حق الترشح في « مانع موضوع للانتخاب وتبعا لذلك للترشّح، ويمكن أن يكون هذا المانع مطلقا ( شرط الجنسية أو شرط السنّ أو شرط الأهلية أو بعض الأحكام الجزائية) أو يكون نسبيا (شرط المسكن بالنسبة للانتخابات المحلية أو شرط التسجيل بالقائمة الانتخابية للبلدية أو الولاية). كما يمكن أن يكون محدودا بالزمن نظرا للاضطلاع ببعض الوظائف العمومية السلطوية في نطاق الدائرة الانتخابية» ، وانطلاقا من هذين التعريفين يستنتج أن حالات الحرمان امّا أن تكون ناشئة عن شروط موضوعية، مثل السنّ أو الجنسية، متى توفرت زال المانع آليّا، أو أن تكون ناشئة عن الاضطلاع بوظائف معينة لما لهذه الوظائف من علاقة بتنظيم الانتخابات مثل ما هو الشأن بالنسبة للولاة والمعتمدين أو أعضاء الادارة الانتخابية أو القضاة، وفي هذه الحال يكفي للشخص الاستقالة من الوظيفة المعينة قبل اجراء الانتخابات ليستردّ حقه في الترشّح .
أمّا آخر حالة فهي الناشئة عن تسليط عقاب جزائي من قبل هيئة قضائية سواء كان هذا العقاب أصليا أو تكميليا. وقد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي سنة 2010 أن الفصل 7 ( قانون ) من المجلة الانتخابية الفرنسية مخالف للدستور عندما نصّ على الحرمان الآلي لكل من حكم عليه من أجل بعض الجنح أو الجنايات من الحق الانتخابي وصرّح أنّ قرار المحكمة لابد أن ينصّ صراحة على هذا الحرمان. 
ومما لا شك فيه أن الحرمان من حق الترشّح لا يمكن أن يشكل في حدّ ذاته عقوبة يسلطها المشرّع على كل الأفراد الذين يروم له استبعادهم من المنافسة الانتخابية، فتسليط مثل هذا العقاب لا يكون الاّ من طرف المحاكم وباحترام جميع اجراءات التقاضي واجراءات المحاكمة العادلة. وقد اقتضت المجلة الجزائية التونسية في فصلها الخامس في باب العقوبات التكميلية الحرمان من مباشرة حق الاقتراع الذي يترتب عنه الحرمان من حق الترشح.
وبالرجوع للفصل 53 من دستور 27 جانفي 2014 يلاحظ أنّه نصّ صراحة على ضرورة توفر شرطين، اذا انتفى أحدهما يحرم المواطن من الترشّح . الشرط الأوّل يتعلّق بالجنسية التونسية منذ عشر سنوات على الأقل والشرط الثاني يتعلّق بالسنّ وهو بلوغ 23 سنة كاملة يوم تقديم الترشّح. وأحال نفس الفصل على القانون لضبط حالات الحرمان الأخرى وهو ما درج عليه القانون انتخابي في تونس من حرمان الولاة والمعتمدين وغيرهم من موظفي الادارة الجهوية والقضاة من حق الترشّح وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء المجلس الدستوري ولأعضاء المجلس نظرا لاختصاصهم في البتّ في النزاعات الانتخابية.
وعلى نفس هذا المنهج سار المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المؤرخ في 10 ماي 2011 والمتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي حيث منع في فصله 17 الترشّح لعضوية المجلس الوطني التأسيسي «الاّ بعد تقديم استقالتهم أو وضعهم في حالة عدم المباشرة» على رؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية والولاة والقضاة والمعتمدون الأول والكتاب العامون للولايات والمعتمدون والعمد. على أن هذا المرسوم حرم من الترشح في فصله 15» كل من تحمّل مسؤولية صلب الحكومة في عهد الرئيس السابق باستثناء من لم ينتم من أعضائها الى التجمع الدستوري الديمقراطي ومن تحمل مسؤولية في هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي في عهد الرئيس السابق» ، وقد بينت العديد من الدراسات الصادرة آنذاك وبعد ذلك عندما بدأ الحديث عما سمّي « بقانون تحصين الثورة». وكان هذا الفصل خاصّا بظرف تاريخي معيّن وتعلق بانتخاب مجلس من طبيعة خاصّة وهو المجلس المكلف باعداد دستور البلاد.
وبالرجوع للقانون المقارن لابدّ من التذكير بالحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بمصر بتاريخ 14 جويلية 2012 حيث ألغت ما سمي بقانون العزل السياسي معتبرة خاصّة أنّ لا يحقّ للمشرّع ايقاع عقاب على فئة من المواطنين وأن ذلك من اختصاص القضاء وحده، وقد جاء في القرار « وحيث ان خضوع الدولة للقانون محدّدا على ضوء مفهوم ديمقراطي، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الانسان وكرامته، وشخصيته المتكاملة ويندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية (...) ومما ينافى مفهوم الدولة القانونية، أن تقرر الدولة سريان عقوبة - جنائية كانت أو تأديبية أو ذات طبيعة مدنية – بأثر رجعي من خلال تطبيقها على أفعال لم تكن حين اتيانها تشكل اثما جنائيا، أو ذنبا اداريا، أو اخلالا يستوجب التعويض. 
وحين أنّ النص المحال قد رصد جزاء الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدّة عشر سنوات، لمجرّد تقلّد أي من مناصب الواردة حصرا فيه، دون أن يتطلب لذلك أن يثبت في حق من تولى أي من هذه المناصب اتيان فعل أو انتهاج سلوك يستأهل هذا الجزاء، فانّه يكون قد انبنى على افتراض لا يستقيم مع طبائع الأشياء وتأباه العدالة، ويخالف من ثمّ مفهوم الدولة القانونية».
أمّا القانون الدولي العام فانّه يحرم منع المواطنين من حق الترشح بدون موجب معقول. فقد اقتضت المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية « يكون لكل مواطن ، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكورة في المادة 2 ، الحقوق التالية التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
ب) أن ينتخب وينتخب ، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام على قدم المساواة...» . وقد جاء في التعليق العام رقم 25 الصادر عن اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية في دورتها 57 (سنة 1996) ما يلي: «ويجب ألا يشكل الانتساب الى عضوية أحد الأحزاب شرطا للأهلية في الانتخاب أو أساسا لعدم الأهلية» وتضيف اللجنة : « وينبغي أن تكون أي تقييدات تفرض على حق ترشيح النفس للانتخاب، مثل تعيين حدّ أدنى للسن، تقييدات مبررة قائمة على معايير موضوعية ومعقولة. ويجب ألا يستثنى أي شخص مؤهل ، غير من تنطبق عليه هذه التقييدات، من ترشيح نفسه للانتخابات لأسباب غير مقبولة أو لأسباب تمييزية من قبيل مستوى التعليم أو مكان الاقامة أو النسب أو بسبب انتمائه السياسي». 
انّ مجرّد التفكير في احياء الفصل 15 من المرسوم عدد 15 لسنة 2011 أسابيع قليلة بعد المصادقة على الدستور يعد تنكرا بغيضا لما جاء في هذا النصّ التأسيسي للديمقراطية التونسية ومحاولة جديدة مآلها الفشل والانقلاب على أصحابها لتقسيم التونسيين واثارة للحقد والبغضاء بينهم في وقت يحتم الوحدة الوطنية لمقاومة آفة الارهاب.
ويتعين في كل الأحوال، الآن وقد دخل الدستور حيز النفاذ، المبادرة قبل اتيان اي عمل تشريعي مهما كان ميدانه المبادرة بارساء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين اذ أنّ دستورا لا تسهر على احترامه هيئة قضائية دستورية يفقد كل مصداقية وكل علوية ويصير مجرّد أمنيات سياسية لا جدوى منها.

Aucun commentaire: