لا يخفى على أحد أن
المجلس الوطني التأسيسي انتخب يوم 23 أكتوبر 2011 لسنّ دستور الجمهوريّة
التّونسيّة في اجل اقصاه سنة من تاريخ انتخابه، وذلك بمقتضى الأمر عدد 1086 لسنة
2011 المؤرّخ في 03 اوت 2011 المتعلّق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني
التأسيسي وكذلك بمقتضى الإعلان حول المسار الانتقالي الموقّع عليه في 15 سبتمبر
2011 من قبل 11 مسؤول أوّل للأحزاب السّياسيّة الممثلة بالهيئة العليا لتحقيق
أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.
الّا أنّ المجلس الوطني التأسيسي - عملا بنظريّة
انّه سيّد نفسه - انقلب منذ الوهلة الأولى من التئامه على هذا التّحديد الزمني
القانوني والسياسي والأخلاقي لمدّة ولايته فلم يتضمّن القانون التأسيسي عدد 6 لسنة
2011 الصادر في 16 ديسمبر 2011 والمتعلّق بالتّنظيم الوقتي للسّلط العموميّة أي
تحديد للمدّة الولائيّة للمجلس، هذا علاوة على تحويل المجلس من مجلس تأسيسي بحت
إلى مجلس تشريعي ومجلس رقابي.
وخلال صائفة 2013
خرجت جموع تعدّ بمئات الآلاف من المواطنين مطالبين برحيل المجلس الوطني التأسيسي.
وعلّق عدد كبير من النوّاب عضويتهم بالمجلس ممّا دفع برئيس المجلس بدوره إلى تعليق
أعمال المجلس إلى اجل غير مسمّى.
إلّا أنّ خارطة
الطريق الّتي أعدّتها المنظمات الأربعة والّتي قبلت بها الأحزاب للدخول في الحوار
الوطني أنقذت المجلس التأسيسي ومدّدت في حياته مقابل استقالة حكومة الترويكا
الثانية بقيادة السّيد علي العريّض واستبدالها بحكومة كفاءات وطنيّة غير متحزّبة بقيادة
السيد المهدي جمعة.
اليوم، ونحن على
أبواب انتخاب مجلس نوّاب الشعب في 26 أكتوبر المقبل، ثار الجدل واحتدم مجدّدا حول
امكانيّة مواصلة المجلس التأسيسي القيام بمهمّته التّشريعيّة بعد موعد 26 أكتوبر
2014، أي بعد انتخاب مجلس نوّاب الشعب الّذي سيمارس السلطة التّشريعيّة خلال
السنوات الخمس القادمة.
لقد طرحت مسالة
مواصلة المجلس الوطني التأسيسي الاضطلاع بمهامه التّشريعيّة اثر فشل النّواب وتلكؤهم
في المصادقة على مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالإرهاب وغسيل الأموال حيث تقرّر
تأجيل مواصلة النظر في مشروع القانون هذا إلى يوم 28 أكتوبر 2014، أي يومين بعد
الانتخابات التّشريعيّة في وقت تكون عُرِفت فيه النتائج الأولية للانتخابات هذا علاوة
على تعارض هذا القرار مع الذّوق السياسي السليم.
فما هو الموقف
القانوني من هذا القرار العجيب والغريب من خلال استقراء أحكام الدستور ؟
على عكس ما يظن،
فإنّ الدستور التّونسي المصادق عليه في 27 جانفي 2014 والّذي نشر بالرّائد الرّسمي
للجمهوريّة التّونسيّة في 10 فيفري 2014، لم يدخل برمّته حيّز النّفاذ بل علقت
العديد من أحكامه إلى حين. فقد تضمّن دستورنا الجديد بابا عاشرا يتكوّن من فصلين
اثنين (الفصل 148 وهو فصل طويل ومعقد والفصل 149) يتضمن أحكاما انتقالية.
وقد اقتضى الفصل
148 تدرجا في دخول العديد من مقتضيات الدستور حيز النفاذ ومدّد تبعا لذلك في حياة
عدد من فصول القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلق
بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية.
وفيما يتعلق بمهمة
التشريع، وبغض النظر عن الأحكام الأخرى المتعلقة برئيس الجمهورية أو بالمجلس
الأعلى للقضاء أو بالمحكمة الدستورية أو بالهيئات الدستورية أو بالسلطة المحلية،
فإنّ الأحكام الدستورية المنطبقة هي التي جاءت بالفصل 148 عدد 1 فقرة أولى ولا غير
ذلك.
لقد اقتضى الفصل
148 عدد 1 فقرة 1 : " يتواصل العمل بأحكام الفصل 4 من التنظيم المؤقت للسلط
العمومية إلى حين انتخاب مجلس نواب الشعب"
وبالرجوع للفصل 4
من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المذكور أعلاه، يتبين أنّه يتعلق بالصلاحيات
التشريعية للمجلس التأسيسي وقد جاء فيه: " يمارس المجلس الوطني التأسيسي
السلطة التشريعية طبقا لهذا القانون "
وإذا رجعنا الآن
لفصلنا 148 عدد 1 فقرة 1 من الدستور يتبيّن لنا أنّه أبقى هذا الفصل 4 منطبقا ( مع
تحديد من حيث حق المبادرة التشريعية للنواب) ’’ إلى حين انتخاب مجلس نواب
الشعب " لا كما جاء في فقرات أخرى من نفس الفصل 148 " بداية
من يوم الإعلان عن النتائج النهائية لأول انتخابات تشريعية ".
وانطلاقا من المبدأ الراسخ فقها وقضاء وقانونا
أن النصوص المخولة للصلاحيات تؤول تأويلا ضيقا وبناء على المبدأ الذي لا يقل أهمية
أن كل تعداد يعني الحصر، فإنّه لا يمكن بأي حال من الأحوال للمجلس التأسيسي
استئناف ممارسته للمهمة التشريعية بعد 26 أكتوبر 2014 ولا يمكن له مواصلة النظر في
القانون الأساسي المتعلق بالإرهاب وغسيل الأموال يوم 28 أكتوبر كما قرّر ذلك مكتب المجلس.
إن الإقدام على
مثل هذا العمل يشكل خرقا واضحا للدستور لن تقف إزاءه الهيئة الوقتية لمراقبة
دستورية مشاريع القوانين مكتوفة الأيدي زيادة على كونه يشكل خطأ سياسيا جسيما.
صدر بجريدة المغرب التونسية في 07/10/2014. ص : 2
صدر بجريدة المغرب التونسية في 07/10/2014. ص : 2
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire