mercredi 20 mai 2015

حكم القانون وحكم العدالة في المواثيق والإعلانات الدولية



تحيل المصطلحات الواردة في عنوان هذا المقال إلي فرعين من فروع القانون العام: القانون الدستوري من ناحية بالنسبة لمصطلحي حكم القانون1 وحكم العدالة، والقانون الدولي العام من ناحية أخرى بالنسبة لمصطلح المواثيق والإعلانات الدوليّة. لكن لابد من التسليم انه منذ انتهاء الحرب الباردة زالت الحواجز بين فروع القانون وتداخلت فيما بينها وتداول الحديث عن دسترة القانون الدولي2 وعن تدويل القانون الدستوري3. فالعديد من المصطلحات القانونية التي كانت حكرا على قاموس القانون الدستوري صارت مصطلحات مشتركة بينه وبين القانون الدولي العام نورد منها ذكــرا لا حصرا مصطلحات سيادة القانون والديمقراطية والحوكمة الرّشيدة. ومرجع كل ذلك تحول العلاقات الدولية وتطور القانون الدولي العام.
فالقانون الدولي العام الذي كان يكرس الاستقلالية الدستورية للدول وسيادتها المطلقة في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والذي كان يعتبر أن مسألة العلاقة بين الدولة ومنظوريها من صميم سيادة الدولة صار يولي أهمية قصوى لهذه المسائل ويعتبرها خاضعة لرقابة المجتمع الدولي ويحرص كل الحرص على تدعيم واحترام حقوق الإنسان ويكرّس حكم القانون وحكم العدالة ويعتبرهما مبدآن أساسيان من مبادئ القانون.
وتعرّف الأمم المتحدة سيادة القانون بكونها " مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسّسات والكيانات العامة والخاصة بما في ذلك الدولة ذاتها مسؤولين أمام قوانين صادرة علنا، وتطبّق علي الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلي قضاء مستقلّ وتتفّق مع القواعد والمعايير الدوليّة لحقوق الإنسان. ويقتضي هذا المبدأ كذلك اتخاذ تدابير في كفالة الالتزام بمبادئ سيادة القانون والمساواة أمام القانون والمسؤوليّة أمام القانون والعدل في تطبيق القانون والفصل بين السلطات والمشاركة في صنع القرار واليقين القانوني وتجنّب التعسف والشفّافية الإجرائية والقانونية".
وتعرف العدالة علي أساس أنّها "من المثل العليا للمساءلة والإنصاف في حماية الحقوق وإحقاقها ومنع التجاوزات والمعاقبة عليها. والعدالة تنطوي علي احترام حقوق المتّهمين ومصالح الضحايا ورفاه المجتمع بأسره. وهي مفهوم متأصّل في جميع الثّقافات والتّقاليد الوطنيّة"4.
كلّ هذا يدفعنا إلي التساؤل كيف تعاملت المواثيق والإعلانات الدوليّة مع مصطلحي حكم القانون وحكم العدالة؟ وسوف نتعرض في قسم أول إلى كيفية تدوين حكم القانون وحكم العدالة في المواثيق والإعلانات الدولية ثم نتعرض في قسم ثان إلى آليات تكريس حكم القانون وحكم العدالة في المواثيق والإعلانات الدولية.
القسم الأولحكم القانون وحكم العدالة مبدأن وهدفان معتمدان في المواثيق والإعلانات الدولية
مهما اختلفت الصيغ والتعابير المستعملة فانّ أغلب المواثيق والإعلانات الدوليّة تكرّس سيادة القانون وحكم العدالة كهدف تسعى الدول إلى تحقيقه على الصعيدين الوطني والدولي أو كمبدأ معتمد في التنظيم السياسي والقانوني الوطني والدولي. وإذا كان التنويه بهذين المبدأين ضمنيا او محتشما في أغلب المواثيق والإعلانات الدولية الكونية (أ) فإن المواثيق الإقليمية كانت أفصح وأكثر حرصا (ب).
أ- تكريس ضمني ومحتشم في المواثيق والإعلانات الدولية الكونية
رغم عدم تنصيصها صراحة وبوضوح لحكم القانون ولحكم العدالة، فان أغلب المواثيق والإعلانات الدولية الكونيّة تكرس بصفة ضمنية حكم القانون وحكم العدالة كمبدأن وهدفان لتحقيق احترام حقوق الأفراد والجماعات. وسوف نتبين ذلك من خلال عرضنا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد في 10 ديسمبر 1948 ومن خلال العهدين الدوليين المتعلقين بحقوق الإنسان ومن خلال ميثاق منظمة الأمم المتحدة الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
  1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد في 10 كانون الأول/ديسمبر1948
رغم تضمينه في توصية صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 يعتبر المرجع الأساسي للمنظومة القانونية لحقوق الإنسان او ما يسمى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان5. ولما له من أهمية فقد ارتقى إلى مرتبة العرف الدولي الملزم. وقد نوهت به دساتير كثيرة. ورغم عدم توافر مصطلحات حكم القانون وحكم العدالة سنة اعتماد الإعلان أي إبان انتهاء الحرب العالمية الثانية فإن الإعلان تضمن إشارات للمصطلحين موضوع بحثنا. فقد أشارت الديباجة إلى حكم القانون لما اعتبرت أنه " من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم".
أما عن حكم العدالة فإن الإعلان العالمي كان أكثر تفصيلا. فقد جاء في المادة الثامنة منه : " لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون". وجاء في المادة العاشرة " لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه". وهكذا يكون الإعلان العالمي قد وضع الأسس التي ستبني عليها الآليات اللاحقة وبخاصة العهدان الدوليان المتعلقان بحقوق الإنسان.
2 - العهدان الدوليان المتعلقان بحقوق الإنسان
لم يكن الإعلان العالمي رغم أهميته ملبياً لحاجات وتطلعات البشرية. فهو الأساس وليس كل البناء ولم تكن له عند صدوره وإلى غاية سنة 1966 قيمة قانونية إلزامية باعتباره توصية صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تفتقد إلى آلية عقابية تسلط على الأطراف التي تنتهك الحقوق والحريات المعلنة فيه.
ولإضفاء قوة قانونية وإلزامية على المبادئ التي جاء بها الإعلان العالمي اتجهت جهود الأمم المتحدة نحو إصدار شرعة جديدة لحقوق الإنسان تتمثل في إعداد مشروع ميثاق أو معاهدات دولية تتضمن أحكاماً لتعزيز حماية حقوق الإنسان وتبين بصورة مفصلة وملزمة الحدود التي يجب على الدول أن تتقيد بها في مجال تطبيق الحقوق والحريات، كأن تتضمن نوعاً من الإشراف والرقابة الدولية على تطبيق الاتفاقيات.
وعلى هذا الأساس صدر العهدان الدوليان لحقوق الإنسان. فخصص العهد الأول لحماية الحقوق المدنية والسياسية وخصص العهد الثاني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية6. وبإقرار هذين العهدين تحوّلت الحقوق والحريات التي ورد النص عليها في الإعلان العالمي إلى التزامات قانونية مصدرها القانون الدولي الاتفاقي. وبذلك انتهى الجدل حول القيمة القانونية لهذه الحقوق والحريات.
فالعهدان عبارة عن معاهدتين دوليتين ملزمتين ترتبان التزامات قانونية على عاتق الدول الأطراف فيهما. كما إن هاتين الاتفاقيتين أنشأنا نظاماً دولياً للرقابة لضمان تطبيق الحقوق والحريات الواردة فيهما، وهما يهدفان إلى توفير مختلف الضمانات لحماية الحقوق والحريات.
وبالرجوع للعهد المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية7 نلاحظ أن عبارة حكم القانون لم ترد صراحة فيه، إلا أنه جعل ممارسة الحقوق والحريات لا تتم إلا في نطاق القانون من ذلك مثلا الحق في الحياة وهو أول الحقوق إذ يتعين على القانون أن يحميه أو الحق في المساواة أمام القانون دون أي تمييز أومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون. وفي تواتر هذه الإشارات لعبارة القانون دلالة على سمو القانون وضرورة التقيد به واحترام نصوصه.
أما بالنسبة لحكم العدالة فإن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كان أكثر وضوحا. فبموجبه " تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غـير التشـريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية ". كما تتعهد الدول " بـأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حـرياته المعـترف بها في هذا العهد حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية " وبأن " تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدّعي انـتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني ، وبأن تنمي إمكانيات التظلم القضائي"8. ويقر العهد كذلك بحق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلنى من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون.
3 – الاتفاقيات القطاعية لحقوق الإنسان
تتكون الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بالإضافة إلى الإعلان العالمي والعهدين الدوليين من عدد من الاتفاقيات القطاعية لحماية حقوق بعض اصناف البشر (المرأة، الطفل، العمال المهاجرين) او للحماية من بعض السلوكيات (الميز العنصري، التعذيب).
وتضمنت جميع هذه الاتفاقيات إشارات لحكم القانون أو لحكم العدالة.
فالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري9 تضمنت في المادة 5 تعهد الدول الأطراف "بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الأثني ، في المساواة أمام القانون". وتعتبر المساواة أمام القانون بدون تمييز مهما كان مصدره ومهما كان شكله من المكونات الأساسية لمبدأ حكم القانون.
أما عن حكم العدالة، فالاتفاقية أكثر وضوحا. فقد جاء بالمادة 5 (أ) "الحـق في معاملة على قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولى إقامة العدل". وأضافت المادة 6 الحق في محاكمة عادلة دون تمييز: " تكفل الدول الأطراف لكل إنسان داخل في ولايتها حق الرجوع إلى المحاكم الوطنية وغيرها من مؤسسات الدولة المختصة لحمايته ورفع الحيف عنه على نحو فعال بصدد أي عمل مـن أعمـال التمييز العنصري يكون انتهاكاً " لما لـه من حقوق الإنسان والحريات الأساسية ويتـنافى مع هذه الاتفاقية، وكذلك حق الرجوع إلى المحاكم المذكورة ًالتماساً لتعويض عادل مناسب أو ترضية عادلة مناسبة عن أي ضرر لحقه كنتيجة لهذا التمييز".
وانتهجت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة10 نفس الطريقة. فقد جاء في المادة 2 (ج) ضرورة " فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي". أما المادة 15 فقرة 1 فقد أكدت على مبدأ المساواة أمام القانون " تعترف الدول الأطراف للمرأة بالمساواة مع الرجل أمام القانون".
ومما لا شك فيه أن اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة11 هي من أكثر الاتفاقيات تأكيدا على حكم القانون وعلى حكم العدالة. فهذه الاتفاقية تتعلق بأحد أهم حقوق الإنسان وأكثرهم تعرضا للانتهاكات وهو الحق في الحرمة الجسدية. فقد أفردت الاتفاقية المادتان 412 و6 فقرة 1 لمبدأ سيادة القانون. فقد أكدت المادة 4 على "ضرورة تجريم التعذيب" في حين ضمنت المادة 6 فقرة 1 مبدأ أن احتجاز الأجنبي لا يتم إلا بمقتضى القانون مع وجوب ضمانات الدفاع والإعلام13.
وفيما يتعلق بحكم العدالة فإن اتفاقية منع التعذيب جعلت منه مبدأ محوريا خاصة في المواد 514 و715 و916.
4 - ميثاق الأمم المتحدة الموقع في 26 جوان 1945 17
كسائر المواثيق والإعلانات الدولية المبرمة غداة الحرب العالمية الثانية فانه لا يوجد تنصيص صريح على تكريس سيادة القانون وحكم العدالة في ميثاق الأمم المتحدة. لكن ترسيخ دعائم احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان يشكل عنصرا أساسيا في إحلال السلام الدائم والأمن الدولي على نحو فعال وتحقيق التقدم والتنمية في المجال الاقتصادي ومبدأ خضوع الجميع للمساءلة بموجب قوانين صادرة علنا وتطبق علي الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل. بمعنى آخر تساهم سيادة القانون وحكم العدالة في تحقيق رسالة الأمم المتحدة وهدف تكوينها.
ونشير في هدا السياق إلي أن الأمين العام للأمم المتحدة يقر بشدة مبدأ علوية وسيادة القانون ونلاحظ ذلك في مختلف تقاريره التي سنتولى تحليلها ودرسها لاحقا في القسم الثاني من البحث. كما يتجلى ذلك في عدد كبير من توصيات الجمعية العامة حول تدعيم سيادة القانون ومن آخرها القرار رقم 69/123 المعنون "سيادة القانون على المستويين الوطني والدولي".
5 - الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (منظمة اليونسكو) المعتمدة في 16 نوفمبر1945
كان الهدف من إنشاء منظمة اليونسكو " المساهمة في صون السلم والأمن بالعمل عن طريق التربية والعلم والثقافة على توثيق عرى التعاون بين الأمم لضمان الاحترام الشامل للعدالة والقانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين كما اقرها ميثاق الأمم المتحدة لجميع الشعوب". ويعتبر الميثاق التأسيسي لليونسكو رائدا في مجال إيلاء الأهمية لحكم القانون والعدالة. على أن الإشارة الواردة في ديباجة الميثاق التأسيسي لم تكن كافية لتجعل من حكم القانون وحكم العدالة قواعد قانونية ملزمة.
نستخلص إذا أنّ أهم المواثيق والإعلانات الدولّية لا تمثّل مجالا ملائما لتدعيم وتعزيز سيادة القانون وحكم العدالة وذلك نظرا للظروف الدوليّة والإطار العام الذي زامن إصدارها وإبرامها. لكن هذا التنصيص المحتشم وقع تجاوزه وتدارك النقص في المواثيق والمعاهدات الإقليمية.
ب- تنصيص صريح في المواثيق الإقليمية
خلافا للمواثيق الدولية الكونيّة صرّحت العديد من المواثيق الإقليمية اعتمادها لسيادة القانون وحكم العدالة كمبدأ وهدف.
1 - ميثاق منظمة الدول الأمريكية المبرم في 30 أفريل 1948
بدأ العمل به في 13 ديسمبر1951. منظمة الدول الأمريكية منظمة إقليمية في إطار الأمم المتحدة وهي تسعى لتأمين دفاع ذاتي جماعي، وتعاون إقليمي وتسوية سلمية للخلافات. ويُورد ميثاق المنظمة المبادئ المرشدة للجماعة وهي أهمية احترام القانون الدولي، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون والتعاون الاقتصادي والمساواة بين جميع الشعوب.
وأكّد الفصل الخامس من الميثاق على ضرورة قيام المؤسّسات السياسية للدول الأمريكيّة على الممارسة الفعليّة للديمقراطية النيابيّة. وتمّ التأكيد على ذلك في الفصل الثالث من الميثاق الديمقراطي للبلدان الأمريكية المبرم في 11 سبتمبر2001 والذي يحدّد بأن العناصر الأساسيّة للديمقراطية التمثيليّة تشمل احترام حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة والوصول إلى السلطة وممارستها طبقا لسيادة القانون وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة على أساس الاقتراع العام والسرّي تعبيرا عن السيادة الشعبيّة وعلى نظام التعدديّة، الأحزاب والمنظّمات السياسيّة وفصل واستقلال السلطات العامة.
2 – النظام الأساسي لمجلس أوروبا المبرم في 5 مايو 1949
يعتبر مجلس أروبا من أول المنظمات الدولية التي أولت مسألة حكم القانون وحكم العدالة أهمية قصوى وجعلتها محور المنظمة والهدف الذي تسعى لا فقط لتحقيقه بل لتعزيزه باعتبار أن اهتمام هذه المنظمة منصب كليا على احترام حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية في أوروبا.
تنص ديباجة النظام التأسيسي لمجلس أوروبا علي تعلق الدول الأعضاء بالقيم الأخلاقية والروحية التي تعتبر تراثا مشتركا بين شعوبها والتي هي مصدر لمبادئ الحرية الفردية والحرية السياسية وعلوية القانون وهي المبادئ التي تقوم علي أساسها الديمقراطيات الحقيقية.
كما اشترط الفصل الثالث ضرورة اعتراف كل عضو في مجلس أوروبا بمبدأ سيادة القانون. مع العلم أن الفصل الثامن يقر بأن كل دولة عضو مهددة بتعليق تمثيلها وإمكانية سحب عضويتها في حالة عدم احترامها للفصل الثالث بمعنى أنه بإمكان أي بلد أوروبي أن يصبح عضوا في مجلس أوروبا إذا ما وافق على مبدأ سيادة القانون وحكم العدالة والديمقراطية وتعهد بضمان حقوق الإنسان للجميع في ظل ولايتها القضائية.


3 - القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي المعتمد في 11 جويليا 2001
عوض الاتحاد الأفريقي منظمة الوحدة الأفريقية التي أنشأت سنة 1963 إبان حصول العديد من الدول الأفريقية على استقلالها. ولكن الميثاق الذي تم توقيعه في 22 مايو 1963 لم يول مسألة حكم القانون أي اهتمام إذ كان الهدف الأساسي آنذاك دعم استقلال الدول وسيادتها والقضاء علي التخلف الاقتصادي وتوطيد دعائم التضامن الأفريقي والارتقاء بالقارة إلى المكانة التي تليق بها على ساحة صنع القرارات الدوليّة.
لكن الأمور تغيرت جذريا مع نهاية التسعينات إذ استوعب الحكام الأفارقة الدرس من نهاية الحرب الباردة وقروا التخلي عن المنظمة التاريخية وبعث منظمة جديدة تواكب العصر.
وينص القانون التأسيسي للاتحاد في ديباجته علي أهداف االمنظمة ومن أهمها " تعزيز وحماية حقوق الإنسان والشعوب ودعم المؤسسات والثقافة والديمقراطية وكفالة الحكم الرشيد وسيادة القانون". كما أقر القانون التأسيسي أن من المبادئ التي يقوم عليها الاتحاد "احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والحكم الرشيد وتعزيز العدالة الاجتماعية لضمان تنمية اقتصادية متوازنة."18 كما أضاف القانون التأسيسي في المادة 30 أنه لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد .
ولعل أبرز مظهر للمنحى الجديد للاتحاد الأفريقي يتمثل في اعتماد رؤساء الدول والحكومات الأفريقية للميثاق الأفريقي حول الديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد في 30 جانفي 2007 الذي دخل حيز النفاذ في 15 فيفري 2012. ومن أهدافه تعزيز التزام الدول الأعضاء بالمبادئ والقيم العالمية للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من ناحية وتعزيز الالتزام بمبدأ سيادة القانون القائمة علي علوية الدستور والنظام الدستوري في التنظيم السياسي للدول الأعضاء.
أما في ما يخص مبادئ الميثاق فهي تستند علي القيم العالمية للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون وسيادة الدستور والنظام الدستوري في الترتيبات السياسية للدول. ويشدّد الميثاق على أهمية المراقبة قبل الانتخابات وبعثات المراقبة الانتخابية والبعثات الاستشارية الخاصة وكذلك الحاجة إلي تهيئة بيئة ملائمة لآليات رصد ومراقبة وطنية مستقلة ومحايدة.
4 - معاهدة الاتحاد الأوروبي
خلف الاتحاد الأروبي المجوعة الاقتصادية الأوروبية المكونة بمقتضى معاهدة روما سنة 1957 والتي لم تكن المسائل السياسية من صلاحياتها. لكن مع تطور البناء الأرروبي وتوسيعه19 تحول الاتحاد من مجموعة اقتصادية بحتة إلى اتحاد اقتصادي وسياسي وذلك إثر إبرام معاهدة ماستريخت الموقّعة في 7 فيفري 199220 التي نقحت مرارا ثم عوضت سنة 1997 بمعاهدة أمستردام. فقد أدخلت المعاهدة تغييرات كبيرة في معاهدة ماستريخت. ومعاهدة امستردام تُعنى بزيادة التركيز على المواطنه وحقوق الافراد وعلى المزيد من الديموقراطية في شكل زيادة سلطات البرلمان الأوروبي21.
من الديباجة يؤكد دول الاتحاد تمسكهم بمبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون. أما في الفصل الثاني من المعاهدة فلقد أقرّ الاتحاد أنه قائم على احترام مبادئ وقيم الكرامة البشرية والحرية والديمقراطية والعدالة وسيادة القانون وكذلك احترام حقوق الإنسان بما في ذلك احترام حقوق الأقليات وأنه يسعى إلي تعزيز ودعم الديمقراطية، سيادة القانون وحقوق الإنسان، العدالة والمبادئ العامة للقانون الدولي في سياسته الخارجية وتحقيقه للأمن المشترك.
5 - ميثاق منظمة التعاون الإسلامي22
أكّد ميثاق داكار الموقع في 14 مارس 2008 في ديباجته أنه يهدف إلى الحفاظ على القيم الإسلامية النبيلة المتمثلة في السلام والتراحم والتسامح والمساواة والعدل والكرامة الإنسانية. وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية والحكم الرشيد وسيادة القانون والديمقراطية والمساءلة في الدول الأعضاء وفقا لأنظمتها الدستورية والقانونية.
كما عدّدت الفقرة السابعة من الفصل الثاني المبادئ التي تتعهّد الدول الأعضاء باعتمادها والتصرّف طبقا لها ومن أهمها نذكر مساندة الدول الأعضاء وتعزيز الحكم الرّشيد والديمقراطية وحقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة وسيادة القانون.
القسم الثاني. آلياّت وأدوات تكريس حكم القانون وحكم العدالة في المواثيق والإعلانات الدوليّة
إنّ التنصيص على مبادئ حكم القانون وحكم العدالة لا يكفي لجعلها واقعا وهو لا يكفي لإضفاء النجاعة الضرورية عليها بل يجب إجراء مراقبة دائمة عبر اعتماد آليّات فاعلة على المستوى التشريعي من ناحية (أ) وعلى المستوى العماياتي من جهة أخرى (ب).
أ- الآليّات التشريعية
تضطلع أجهزة الأمم المتحّدة بدور حيوي مستمدّ من الميثاق. فطبقا لما ينص عليه ميثاق الأمم المتّحدة تعّد الجمعية العاّمة دراسات وخاصة لا تتوانى على إصدار توصيات حول المسائل المتعلّقة بالمبادئ العامة للتعاون في حفظ الأمن والسلم الدولي وذلك بهدف إنماء التعاون الدولي في الميدان السياسي وتشجيع التقدّم المطرد للقانون الدولي23
وفي هذا الإطار ما فتأت الجمعية العامة للأمم المتحدة تنظر في موضوع سيادة القانون وحكم العدالة كبند قار من بنود جدول أعمالها منذ سنة 1992 واتخذت قرارات متواترة بشأنه. فمثلا، وبمناسبة تأكيدها لأهمية وضع خطة عالميّة شاملة للتنمية لما بعد عام 2010 من أجل إقامة نظام دولي ديمقراطي ومنصف وتصميما منها على أن تتخّذ كلّ ما في وسعها من تدابير لكفالة إقامة نظام دولي ديمقراطي ومنصف " تعلن أنّ الديمقراطيّة تشمل احترام جميع حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة وهي تمثّل قيمة عالميّة ترتكز على إرادة الشعوب المعبّر عنها بحريّة في تحديد نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومشاركتها التامة في جميع جوانب حياتها، وتؤكد مجدّدا الحاجة إلى التقيد العالمي بمبدأ سيادة القانون وتنفيذ هذا المبدأ على الصعيدين الوطني والدولي"24
تطبيقا لجدول أعمالها، اتخذت الجمعية العامة جملة من القرارات حول"سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي" كان آخرها القرار 69/123 الصادر في 10 كانون الأول 2014 تقرّ فيه الجمعية العامة أن حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطيّة أمور مترابطة يعزّز كلّ منها الآخر وتندرج ضمن قيم الأمم المتحدّة ومبادئها الأساسيّة غير القابلة للتجزئة وتؤكد فيه على ضرورة دعم سيادة القانون على الصعيد الدولي والنهوض بها وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. كما تعرب الجمعية العامة عن تأييدها الكامل للدور الذي يضطلع به الفريق المعني بالتنسيق والمشورة في مجال سيادة القانون من أجل تنسيق الجهود واتساقها عموما في منظومة الأمم المتحدة في إطار الولايات الحالية وتدعوه إلى التفاعل مع الدول الأعضاء وخاصّة في جلسات الإحاطة غير الرّسمية .
ودائما في إطار دعمها لسيادة القانون وحكم العدالة، تهيب الجلسة العامة منظومة الأمم المتحّدة أن تعالج منهجيّا الجوانب المتعلّقة بسيادة القانون حسب الاقتضاء في الأنشطة ذات الصلة بهذا المجال، إدراكا لأهميّة سيادة القانون في معظم المجالات التّي تشارك فيها الأمم المتحّدة. كما تطلب الجمعية العامة من الأمين العام أن يعدّ من ناحية جردا للأنشطة الحالية لمختلف الأجهزة والهيئات والمكاتب والإدارات والصناديق والبرامج التابعة لمنظومة الأمم المتحّدة المكرّسة لتعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي لتقديمها إليه. وأن يعدّ من ناحية أخرى بعد التماس آراء الدول الأعضاء، تقريرا يحدّد فيه سبل ووسائل تعزيز وتنسيق الأنشطة المدرجة في الجرد الذي سيعدّ مع ايلاء اعتبار خاص لفعاليّة المساعدة التي قد تطلبها الدول في بناء القدرات لتعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي. إضافة إلى ذلك تدعو الجمعية العامة محكمة العدل الدوليّة ولجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ولجنة القانون الدولي إلى أن تورد في التقارير المقدّمة من كلّ منها إلى الجمعيّة العامة تعليقاتها بشأن الأدوار الرّاهنة التي يقوم بها كلّ منها في تعزيز سيادة القانون.
تحيط علما الجمعية العامة مع التّقدير بتقرير الأمين العام المعنون " لنوحّد قواناِ لتعزيز الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة من أجل سيادة القانون" وتؤيد الفريق المعني بالتنسيق والموارد في مجال سيادة القانون الذي يتلقّى الدعم من وحدة سيادة القانون فى المكتب التنفيذي للأمين العام، بقيادة نائبة الأمين العام وتطلب من الأمين العام أن يقدّم إلى الجمعية العامة دون إبطاء تفاصيل عن احتياجات هذه الوحدة من الوظائف وغيرها من الاحتياجات لكي تنظر فيها25.
نتبين من خلال هذه العينة من القرارات أنّ الجلسة العامة تؤكد ضرورة تقيّد الجميع بسيادة القانون ووضعها موضع التطبيق على الصعيدين الوطني والدولي على السواء والتزامها الرّسمي بنظام دولي يستند إلى سيادة القانون والقانون الدولي، وهو النّظام الذي يعتبر إلى جانب مبادئ العدل أمرا لا غنى عنه من أجل التعايش السلمي والتعاون الدولي وتعبّر عن اقتناعها بأنّ الأمم المتحدة والدول الأعضاء ينبغي لها أن تسترشد في أنشطتها بتعزيز واحترام سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي، وكذلك العدل والحكم الرّشيد26.
وبمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية في 15 أفريل 2015 صرّح رئيس الجمعيّة العامة "إذا لم يكن لدينا سيادة قانون فلن يتحقّق السلام والأمن، وإذا لم يوجد سلام وأمن فلن تتحقّق التنمية".
أما مجلس الأمن فإنه لا يختلف كثيرا عن الجمعيّة العامة. فلقد دعّم بدوره سيادة القانون وحكم العدالة. وأجرى بشأنها العديد من المناقشات المواضعية واتخذ قرارات تشدّد على أهمية هذه المسائل في سياق مواضيع المرأة والأمن، الأطفال والنّزاعات المسلّحة، حماية المدنيّين في النزاعات المسلحة. من ذلك مثلا بيان رئيس مجلس الأمن خلال الجلسة المنعقدة في 19 يناير2015 يتعلّق بنظر المجلس في البند المعنون "صون السلام والأمن الدولييّن. التنمية الشاملة للجميع في سبيل صون السلام والأمن الدوليين"، حيث أكّد أنّه من الضروري لمساعدة أي بلد من البلدان على الخروج بشكل مستدام من النّزاع إتباع نهج شامل ومتكامل يراعي الترابط بين الأنشطة السياسية والأمنيّة والإنمائية وأنشطة حقوق الإنسان وسيادة القانون ويعزّزه، ويعالج الأسباب الكامنة وراء كلّ نزاع بما في ذلك تعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي وتعزيز النّمو الاقتصادي والتنمية المستدامتين والتسامح السياسي والديني والثقافي والقضاء على الفقر.
وفي نفس الموضوع أكّد مجلس الأمن على أنّ إصلاح القطاع الأمني عنصر أساسي في أي عمليّة لتحقيق الاستقرار في ظروف ما بعد انتهاء الصراعات ويؤكد على الصلة الوطيدة بينه وبين سيادة القانون وإقامة العدل في المرحلة الانتقاليّة ونزع السّلاح والتّسريح وإعادة الإدماج وحماية المدنيين27. فسيادة القانون وحكم العدالة تعداّن من العناصر الرّئيسية في منع نشوب النزاعات وحفظ السّلام وتسوية النزاعات وبناء السلام.
هكذا، يعلّق مجلس الأمن أهميّة بالغة على تعزيز العدالة وسيادة القانون كعنصر لا غنى عنه لتحقيق السلاّم الدائم. ويعتبر الأنشطة الرّامية إلى تعزيز سيادة القانون أنشطة بالغة الأهمية في استراتيجيات بناء السّلام في المجتمعات الخارجة من الصراع. ويؤكد دور لجنة بناء السلام في هذا الصدد. ويؤيد كذلك فكرة إنشاء وحدة داخل الأمانة العامّة للمساعدة في إرساء دعائم سيادة القانون28.
أما الأمين العام للأمم المتّحدة فقد أكد في تقريره المعنون سيادة القانون والعدالة الانتقاليّة في مجتمعات الصراع ومجتمعات بعد الصراع أنّ "الأمم المتّحدة ستدعم الدوائر المحليّة المعنيّة بالإصلاح وأن تساعد في بناء المؤسسات الوطنيّة لقطاع العدالة وتسهل إجراءات مشاورات وطنيّة بشأن إصلاح العدالة والعدالة الانتقالية وأن تساعد علي سدّ الفراغ في مجال سيادة القانون البادي في عدد جدّ كثير من مجتمعات ما بعد الصراع"29 .
هكذا نتبين أنّه وبالرغم من صمت ميثاق منظمة الأمم المتّحدة وتخلّفه عن تكريس حكم القانون وحكم العدالة فانّ أجهزتها الرّئيسيّة لم تفتأ عن دعمهما حتى أضحى حكم القانون وحكم العدالة قواعد دولية تجند الأمم المتحدة كل وسائلها لتكريسها علي أرض الواقع.


ب- آليّات عمليّة وتطبيقيّة
تواصل الأمم المتحدة تعزيز العدالة وسيادة القانون من خلال أركان ثلاث لعملها مثلما سبق بيانه : الأمن والسلم الدوليين والتقدّم والتنمية الاجتماعيين والاقتصاديين واحترام حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة. وتعتمد في إطار دعمها وتكريسها لحكم القانون والعدالة علي آليات عمليّة من أهمها عمليات حفظ السّلام، التي تكرّس الإدارة المعنية بتنظيم جهودها.
لمساعدة الدول الأعضاء والأمين العام فيما يبذلانه من جهود لصون السلام والأمن الدوليين. وتقدّم إدارة عمليّات حفظ السلام التوجيه السياسي والتنفيذي لعمليّات الأمم المتّحدة لحفظ السّلام في أنحاء العالم، وتبقى علي اتّصال مع مجلس الأمن، والمساهمين بقوات والمساهمين بموارد ماليّة، وأطراف النّزاع من أجل تنفيذ ولايات مجلس الأمن.30
ويشمل الدعم المقدم لجانبي سيادة القانون وحكم العدالة في إطار عمليّات حفظ السّلام تقييم الاحتياجات والتخطيط للبعثات واختيار ونشر المتخصّصين وتقديم التوجيه والدّعم لعناصر سيادة القانون في البعثات. كما تقوم بتعزيز إنفاذ القوانين ودعم مؤسسات العدالة علي المستوى المحلّي وتسهيل إجراء مشاورات وطنيّة بشأن إصلاح العدالة وتنسيق المساعدات الدوليّة المتعلّقة بسيادة القانون ورصد إجراءات المحاكم وتقديم التّقارير عنها وتدريب موظّفي قطاع القضاء الوطنيين وتقديم الدّعم لهيئات الإصلاح القضائي المحليّة وإصدار المشورة لمؤسسات سيادة القانون بالبلدان المضيفة.
كما تساعد عمليّات حفظ السّلام الجهات الفاعلة علي فرز أفراد الشرطة والقضاة والمدّعين العامين الوطنيين واختيارهم والمساعدة على صياغة الدّساتير الجديدة وتنقيح التشريعات وتوعية وتثقيف الجمهور وتطوير لجان حقوق الإنسان وبناء قدرة المجتمع المدني علي مراقبة قطاع القضاء. كما تساعد بعثات السّلام البلدان المضيفة علي التّصدي لانتهاكات حقوق الإنسان السابقة عن طريق إنشاء المحاكم وآليّات تقصّي الحقائق والمصالحة الوطنية.
ونشير إلي أنّ ما يقارب أربعين هيكلا من هياكل الأمم المتحدة تنشط في مجالات سيادة القانون، وتعكف المنظمة على تنفيذ عمليات وبرامج سيادة القانون فيما يقارب 110 بلد في جميع أنحاء العالم، أغلبها في أفريقيا.
ومما لا شك فيه أن التطور الكبير الدي عرفه القضاء الجنائي الدولي يعتير اليوم خير ضامن لحكمي القانون والعدالة. فالمحاكم الدولية المختصّة التي أنشأت في يوغوسلافيا السابقة31 أو في رواند32 أو في سيراليون33 أو في كمبوديا أو لبنان تساهم في مكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب، وبالتّالي تعزز المساءلة فيما يتصّل بأخطر الجرائم.
في 2013 اختتمت المحكمة الجنائيّة الدوليّة لرواندا أعمالها وهي الآن في طريقها إلى التصفية بينما تواصل المحكمة الدوليّة ليوغسلافيا السابقة إجراءاتها في محاكمة كبار الشّخصيات السياسيّة والعسكريّة، تعمل الدوائر الاستثنائية في المحاكم الكمبودية في محاكمة القيادات الكبرى لحركة الخمير الحمر. أمّا المحكمة الخّاصة للبنان فإنها لا تزال تعمل في إطار الإجراءات الرّئيسية للمحكمة التي بدأت عمليّا في جوان2014.
وإذا شكل تكوين المحاكم الجنائية الدولية المختصة تطورا ذو بال في طريق إرساء حكم القانون وحكم العدالة فإن إنشاء المحكمة الجنائية الدوليّة34 سنة 2002 للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعيّة وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يشكل بلا منازع أبرز إنجاز على الصعيد القانوني في مجال إرساء حكم القانون وحكم العدالة. والمحكمة الجنائية الدولية لها دور مكمل للأجهزة القضائيّة الوطنية. فهي لا تستطيع أداء دورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنيّة رغبتها في ذلك أو كانت غير قادرة علي التحقيق. مع العلم أنّ مسؤوليّة إجراء التحقيقات تقع على عاتق الدول الأعضاء في المحكمة بمعنى أنّ المسؤولية الأوليّة تتجّه إلي الدول نفسها.
وقد فتحت المحكمة الجنائيّة تحقيقات في أربعة قضايا في أوغندا الشّماليّة وفي جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة وفي الجمهوريّة الإفريقية الوسطى وفي دارفور. وأصدرت تسع مذكرّات اعتقال وتحتجز اثنين مشتبه فيهما ينتظران المحاكمة 35 وتشمل البلدان التالية: كينيا وليبيا وكوت ديفوار ومالي.
كلّ هذه الآليّات، وبقطع النظر في فاعلية كل منها، تساهم في دعم وإرساء مبادئ سيادة القانون وحكم العدالة اللّذان أضحيا من المبادئ القانونية الدولية الراسخة ومن المعايير الأساسية للعلاقات الدولية.
1 بالإنجليزية Rule of law
2 انظر : PELLET (Alain). Constitutionnalisation du droit des NationsUnies ou triomphe du dualisme ». In
3 BEN ACHOUR (R)، « l’Etat de droit et le droit international »، Leaders، 6 octobre 2010.
4 تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 24 أغسطس 2004. : "سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات بعد الصراع".
5 كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، نتيجة لما مر به العالم من ويلات خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد إنشاء الأمم المتحدة قرر زعماء العالم إكمال ميثاق الأمم المتحدة بخريطة طريق تضمن حقوق كل فرد في أي مكان أو زمان. والوثيقة التي توخاها هؤلاء الزعماء كانت موضع نظر في الدورة الأولى للجمعية العامة في عام 1946. وقد استعرضت الجمعية العامة مشروع إعلان حقوق الإنسان والحريات الأساسية وأحالته إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي "بهدف عرضه علي لجنة حقوق الإنسان للنظر فيه... لدى إعدادها للشرعة الدولية للحقوق". وقامت اللجنة في دورتها الأولى التي عقدت في أوائل عام 1947 بتفويض أعضاء مكتبها لصوغ ما أسمته "مشروع مبدئي للشرعة الدولية لحقوق الإنسان". وبعد ذلك استؤنف العمل على يد لجنة صياغة رسمية تتألف من أعضاء للجنة تم اختيارهم من ثماني دول في ضوء المراعاة الواجبة للتوزيع الجغرافي.
كانت لجنة حقوق الإنسان مكونة من 18 عضواً يمثلون شتى الخلفيات السياسية والثقافية والدينية. وقد قامت السيدة إليانور روزفلت، أرملة الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت برئاسة لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واشترك معها السيد رينيه كاسين من فرنسا، الذي وضع المشروع الأولي للإعلان، ومقرر اللجنة، السيد تشارلز مالك من لبنان، ونائب رئيسة اللجنة السيد بونغ شونغ شانغ من الصين، والسيد جون همفري من كندا، ومدير شعبة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي أعد مخطط الإعلان. ومع هذا، فإنه كان ثمة تسليم بأن السيدة روزفلت كانت بمثابة القوة الدافعة وراء وضع الإعلان.
وقد اقترح المشروع الأولي للإعلان في أيلول/سبيتمبر 1948 مع مشاركة أكثر من 50 دولة من الدول الأعضاء في إعداد الصيغة النهائية. وبموجب القرار 217 ألف (ثالثاً) المؤرخ 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 اعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس، مع امتناع ثماني دول عن التصويت ودون معارضة أحد. ووضع النص الكامل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في فترة تقل عن سنتين. وفي وقت كان العالم فيه لا يزال منقسماً إلى كتلة شرقية وأخرى غربية كان من الواضح أن التوصل لخلفية مشتركة بشأن ما ينبغي له أن يشكل جوهر الوثيقة يعد مهمة بالغة الضخامة.
6 العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية : اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976 ويضم اليوم 167 دولة طرف.
العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : اعتمد وصدر رسمياً بقرار الجمعية العامة 21٧ ألف (د-3) المؤرخ 1٠ كانون الأول/ديسمبر 1984. بدء النفاذ: 3 كانون الثاني/يناير 1976

7 عربي بومدين. "دراسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبرتوكول الاختياري الأول الملحق به" http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=344218&r=0

8 المادة 2 الفقرة 3 (ب).
9 اعتمدت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 (د-20) في 21 كانون الأول.ديسمبر 1965 ودخلت حيز النفاذ في 4 كانون الثاني.يناير 1969.
10 اعتمدت بقرار الجمعية العامة 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول.ديسمبر1979 ودخلت حيز النفاذ في 3 أيلول/سبتمبر 1981
11 اعتمدت بقرار الجمعية العامة 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول.ديسمبر 1984 ودخلت حيز النفاذ في 26 حزيران/جوان 1987.سبتمبر 1981
12 - " 1 - تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانوهـا الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب . 2- تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة".
13 " تقوم أية دولة طرف، لدى اقتناعها، بعد دراسة المعلومات المتوفرة لها، بـأن الظروف تبرر احتجاز شخص موجود في أراضيها يدعى أنه اقترف جرما مشارا إلـيه في المادة 4 باحتجازه أو تتخذ أية إجراءات قانونية أخرى لضمان وجوده فيها. ويكون الاحتجاز والإجراءات القانونية الأخرى مطابقة لما ينص عليه قانون تلك الدولة على ألا يستمر احتجاز الشخص إلا للمدة اللازمة للتمكين من إقامة أي دعوى جنائية أو من اتخاذ أي إجراءات لتسليمه".
14 "1- تـتخذ كل دولة طرف ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على الجرائم المشار إليها في المادة 4 في الحالات التالية: (أ) عند ارتكاب هذه الجرائم في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية أو على ظهر سفينة أو على متن طائرة مسجلة في تلك الدولة، (ب) عندما يكون مرتكب الجريمة المزعوم من مواطني تلك الدولة، (ج) عـندما يكون المعتدى عليه من مواطني تلك الدولة، إذا اعتبرت تلك الدولة ذلك مناسبا . 2- تـتخذ كـل دولة طرف بالمثل ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على هذه الجرائم في الحالات التي يكون فيها مرتكب الجريمة المزعوم موجودا في أي إقليم يخضع لولاياتها القضائية ولا تقوم بتسليمه عملا بالمادة 8 إلى أية دولة من الدول التي ورد ذكرها في الفقرة 1 من هذه المادة. 3- لا تستثني هذه الاتفاقية أي ولاية قضائية جنائية تمارس وفقا للقانون الداخلي" .
15 "1- تقـوم الدولة الطرف التي يوجد في الإقليم الخاضع لولايتها القضائية شـخص يدعـى ارتكابه لأي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 4 في الحالات التي تـتوخاها المـادة 5، بعـرض القضـية على سلطاتها المختصة بقصد تقديم الشخص للمحاكمة، إذا لم تقم بتسليمه . 2- تـتخذ هـذه السـلطات قرارها بنفس الأسلوب الذي تتبعه في حالة ارتكـاب أية جريمة عادية ذات طبيعة خطيرة بموجب قانون تلك الدولة . وفي الحالات المشـار إليها في الفقرة 2 من المادة 5 ينبغي ألا تكون معايير الأدلة المطلوبة للمقاضاة والإدانة بأي حال من الأحوال أقل صرامة من تلك التي تنطبق في الحالات المشار إليها في الفقرة 1 من المادة 5. 3- تكفل المعاملة العادلة في جميع مراحل الإجراءات القانونية لأي شخص تتخذ ضده تلك الإجراءات فيما يتعلق بأي من الجرائم المشار إليها في المادة 4 ."
16 " عـلى كل دولة طرف أن تقدم إلى الدول الأطراف الأخرى أكبر قدر من المساعدة فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية المتخذة بشأن أي من الجرائم المشار إليها في المادة 4، بما في ذلك توفير جميع الأدلة الموجودة في حوزتها واللازمة للإجراءات . 2- تنفذ الدول الأطراف التزاماتها بمقتضى الفقرة 1 من هذه المادة وفقا لما قد يوجد بينها من معاهدات لتبادل المساعدة القضائية".
17 دخل حيز التنفيذ في 24 أكتوبر 1945.
18 المادة 4 فقرة م من القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي.
19 يضم الاتحاد 28 دولة.
20 دخلت حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر 1993.
21 وقعت المعاهدة في 2 أكتوبر 1997 ودخلت خيز النفاذ في غرة مايو 1999
22 كانت منظمة التعاون الإسلامي تعرف باسم منظمة المؤتمر الإسلامي منظمة دولية تجمع سبعا وخمسين دولة.
23 المادة 11 والمادة 13 من ميثاق الأمم المتحدة.
24 قرار اتخذته الجمعية العامة في 18ديسمبر2014 إقامة نظام دولي ديمقراطي ومنصف.
25 قرار اتخذته الجمعية العامة في 11ديسمبر 2008 "سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي".
26 قرار الجلسة العامة بتاريخ 4 ديسمير 2006.
27 بيان من رئيس مجلس الأمن في 12جويليا 2005، بشأن نظر المجلس في البند المعنون "صون السلم والأمن الدوليين، دور مجلس الأمن فى الأزمات الإنسانية.، التحّديات والدروس المستفادة والسبيل إلى المستقبل" وفي نفس السياق قرار مجلس الأمن فى جلسته 7161 المنعقدة فى 28 أفريل 2014، الذي ينص أنّ "توفّر قطاع للأمن يتّسم بالفعاليّة والكفاءة المهنيّة ويخضع للمساءلة دون تمييز ومع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وسيادة القانون يشكّل حجر الزاوية في السلام والتنمية المستدامة، ويمثّل عاملا هامّا فى منع نشوب النّزاعات"
28 بيان من رئيس مجلس الأمن بتاريخ 22 جوان 2006 في سياق نظر المجلس في البند المعنون " تعزيز القانون الدولي، سيادة القانون وصون السلم والأمن الدوليين".
29 تقرير الأمين العام للأمم المتّحدة بتاريخ 23 أوت 2004 المعنون سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات بعد الصراع.
30 توجد 16عمليّة حفظ سلام جارية
في إفريقيا
- بعثة الأمم المتّحدة المتكاملة المتعددّة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهوريّة إفريقيا الوسطى
- بعثة الأمم المتّحدة المتكاملة المتعددّة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي
- بعثة الأمم المتحدة في جمهوريّة جنوب السودان
- بعثة الأمن المؤقتة للأمم المتّحدة في أبيي
- بعثة الأمم المتّحدة المتكاملة المتعددّة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة
- العمليّة المختلطة للاتّحاد الإفريقي والأمم المتّحدة في دارفور
- عمليّة الأمم المتّحدة في كوت ديفوار
- بعثة الأمم المتّحدة في ليبيريا
- بعثة الأمم المتّحدة للاستفتاء في الصحراء الغربيّة
في الأمريكيّتان
- بعثة الأمم المتّحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي
آسيا والمحيط الهادي
- فريق مراقبي الأمم المتّحدة العسكريتين في الهند والباكستان
أوروبا
- قوّة الأمم المتّحدة لحفظ السّلام في قبرص
- بعثة الأمم المتّحدة للإدارة المؤقّتة قي كوسوفو
الشرق الأوسط
- قوّة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك
- قوّة الأمم المتّحدة المؤقّتة في لبنان
- هيئة الأمم المتّحدة لمراقبة الهدنة
31 سنة 1993 بقرار من مجلس الأمن.
32 سنة 1994 بقرار من مجلس الأمن.
33 أنشأ سنة 2002 بمقتضى اتفاق بين الأمم المتحدة وسيراليون.
34 نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدولية http://www.un.org/law/icc
35 الموقع الرسمي للمحكمة الجنائية الدولية http://www.icc-cpi.int/FR_Menus/icc/Pages/default.aspx

Aucun commentaire: