dimanche 29 décembre 2019

جرائم الحرب الإسرائيليّة بفلسطين وأخيرا تحرّكت المدّعيّة العامّة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة


لا تحصى ولا تعد جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبها الكيان الصهيوني بفلسطين منذ إعلان تكوين دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 بناء على توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 (بعد التصويت عليه بــ  33 مع و13 وضد و10 ممتنع) ويتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني.
ونذكر من بين هذه الانتهاكات على سبيل الذّكر لا الحصر: مذبحة دير ياسين بتاريخ 10 أفريل 1948، ومذبحة كفر قاسم بتاريخ 29 أكتوبر 1956، ومذبحة خان يونس بتاريخ 3 نوفمبر 1956، ومذبحة المسجد الأقصى بتاريخ 8 أكتوبر 1990، ومذبحة الحرم الإبراهيمي بتاريخ 25 فبراير 1994، ومذبحة مخيم جنين من 29 مارس إلى 9 أفريل 2002، والعمليات العسكرية على غزة ومنها عملية الرصاص المصبوب بتاريخ 27 ديسمبر 2008، وعملية عامود السحاب الممتدة من 14 إلى 21 نوفمبر 2012، وعملية السور الواقي أو الجرف الصامد الممتدة من 8 جويلية إلى 26 أغسطس 2014 والتي هي موضوع ما سيأتي بيانه.
ورغم تعدد الانتهاكات وما ترتب عنها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على معنى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 17 يوليو 1998 والذي دخل حيز النفاذ في 1 يوليو 2002، لم تحرك المحكمة الجنائية الدولية ومدعييها العامين، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو (من 6 جوان 2003 على 16 جوان 2012) والغانبية فاتو بنسودا (منذ 16 جوان 2012 إلى اليوم)، ساكنا رغم الدّعوات الملحّة التي تقدمت بها العديد من المنظمات الإنسانية مثل منظمة العفو الدولية وبعض الشخصيات الحقوقية الدولية.
لكن بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 المؤرخ في 29 نوفمبر 2012، وهو القرار الذي يرتقي بمرتبة فلسطين من كيان غير عضو إلى دولة غير عضو، أودعت دولة فلسطين في 1 يناير 2015، إعلانا بموجب المادة 12(3) ([1]) من نظام روما الأساسي قبلت بمقتضاه اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للنظر في جرائم مرتكبة بالأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس منذ 13 جوان (يونيو) 2014.
وفي 2 جانفي (يناير) 2015، انضمت دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وأودعت لدى الأمين العام للأمم المتحدة وثيقة الانضمام وأصبحت رسميا عضوا بالمحكمة الجنائية الدولية منذ 1 أفريل 2015، تاريخ دخول نظام روما حيز النفاذ إزاءها.
وفي 22 مايو 2018، وعملاً بالمادتين 13 (أ) ([2]) و14 ([3]) من نظام روما الأساسي، أحالت دولة فلسطين الحالة القائمة فيها إلى المحكمة للتحقيق فيها ملتمسةً على وجه التحديد من المدَّعية العامة ''التحقيق، بموجب الاختصاص الزمني للمحكمة، فيما سبق ارتكابه وما يجري ارتكابه وما يُرتكَب مستقبلاً في كل أنحاء فلسطين من جرائم تدخل في اختصاص المحكمة''.
هذا ويجدر التذكير أن الدراسة الأولية ([4]) التي تقوم بها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية ليست تحقيقاً ([5]) ولا تفضي تلقائياً إلى فتح تحقيق ([6]) بل هي إجراء تضطلع به المدَّعية العامة للنظر في المعلومات المتيسرة التي يقدِّمها إليها الأفراد والجماعات والدول من أجل اتخاذ قرار مدروس بعناية تامة يُبَتُّ فيه فيما إذا كان ثمة أساس معقول يسوِّغ مباشرة التحقيق وفقاً للمعايير المنصوص عليها في نظام روما الأساسي. وتجدر الإشارة إلى أن نظام روما الأساسي لا ينص على مهلة زمنية يتعين في غضونها القيام بهذا الإجراء وهو ما يعني أن المدَّعية العامة ليست ملزمة بأجل محدِّد للانتهاء من إجراء الدراسة الأولية ومباشرة التحقيق، وإن تظل أنشطتها موضع تمحيص من جانب الدائرة التمهيدية.
ومع ذلك، فقد وضعت المدَّعية العامة إجراءً على أربعة مراحل يُتَّبع في القيام بالدراسات الأولية، تختص كل مرحلة من مراحله بمسألة من المسائل التي يتعيَّن على المدَّعية العامة النظر فيها من أجل التوصل إلى قرار بشأن مباشرة التحقيق.
وفي خصوص الجرائم المدَّعى بارتكابها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، منذ 13 حزيران/يونيو 2014، فقد أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بن سودة، بيانا صحفيا يوم 20 ديسمبر 2019، بشأن اختتام الدراسة الأولية للحلة في فلسطين، واستصدار قرار بشأن نطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة ([7]). وقد جاء في هذا البيان الأول من نوعه في خصوص الحالة بفلسطين ما يلي:
" أنه بعد تقييم شامل ومستقل وموضوعي لجميع المعلومات الموثوقة المتاحة لدى مكتبي، اختتِمت الدراسة الأولية للحالة في فسطين وقد تقرر أن جميع المعايير القانونية التي يقتضيها نظام روما الأساسي لفتح تحقيق قد استوفت.
وأنا مقتنعة بأن هناك أساسا معقولا للشروع في إجراء تحقيق في الحالة في فلسطين، عملا بالمادة 53(1) من النظام الأساسي. وإيجازا فإني مقتنعة بما هو آت، (1) بأن جرائم حرب قد ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة (‘‘غزة’’) (للتفاصيل، راجع الفقرات 94-96 من الطلب) ؛ (2) وبأن الدعاوى التي قد تنشأ عن الحالة ستكون مقبولة ؛ (3) وبعدم وجود أسباب جوهرية تدعو للاعتقاد بأن إجراء تحقيق لن يخدم مصالح العدالة.
ونظرا لوجود إحالة من دولة فلسطين، فلا يشترط استئذان الدائرة التمهيدية قبل الشروع في فتح تحقيق ولن أسعى إلى ذلك.
ومع ذلك، ونظرا للمسائل المتعلقة بالقانون والوقائع المرتبطة بهذه الحالة، وهي مسائل فريدة ومحل خلاف شديد، ألا وهي الإقليم الذي سيمكن أن يجرى فيه التحقيق، فقد ارتأيت لزوم الاعتماد على المادة 19 (3)  من النظام الأساسي لحسم هذه المسألة المحددة
ولذلك فإني طلبت من الدائرة التمهيدية الأولى في وقت سابق اليوم إصدار قرار بشأن الاختصاص في ما يتعلق بنطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية (‘‘المحكمة’’) بموجب المادة 12 (2) (أ) من نظام روما الأساسي في فلسطين.
وعلى وجه التحديد، التمست تأكيدا بأن ‘‘الإقليم’’ الذي يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها عليه، والذي يجوز لي أن أجري تحقيقا بشأنه، يشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وغزة. وهذا القرار إنما ي يتّخذ فقط من أجل تقرير قدرة المحكمة على ممارسة اختصاصها ونطاق ذلك الاختصاص بموجب النظام الأساسي.
وكما لاحظت في دفوعي التي قدمتها إلى الدائرة، فإن تحديد الأماكن التي يمكنني التحقيق فيها في الظروف الفريدة لهذه الحالة يجب حسمه قبل أن أبدأ في إجراء تحقيق، وألا يبت ظل القضاة لاحقا فيه بعد استكمال تحقيقاتي. فهذا السؤال الأساسي ينبغي الفصل فيه الآن، وبأسرع ما يمكن، لصالح المجني عليهم والجماعات المتضررة، والشهود المحتملين والاحتياجات والالتزامات المتصلة بحمايتهم، وكذلك إجراء التحقيقات وكفاءة الإجراءات القضائية، إضافة إلى توفير الوضوح للدول المعنية. ولذلك فإننا كمكتب ادعاء نعتقد بأن هذه هي الخطوة المسؤولة التي ينبغي اتخاذها في ظروف هذه الحالة.
إني باستصداري هذا القرار قد دعوت ت الدائرة إلى أن تبت بتا ناجزا، مع السماح أيضا للمجني عليهم والدول المعنية والأطراف الأخرى بالمشاركة في هذه الإجراءات، حسبما يكون مناسبا وأنا أسعى بوضوح وشفافية لاستصدار قرار بشأن هذه المسألة الهامة، آملة بذلك أن تساعد هذه العملية الدائرة في اتخاذ قرارها، بل وأن تضفي على قرارها، وعلى التحقيق الذي سأجريه بعد ذلك، مزيدا من الشفافية وتعزز شرعيتهما.
إن هذه المسألة المحددة المعروضة أمام الدائرة لا بد من أن تحسم من دون تأخير لا موجب له حتى يتسنى لمكتبي اتخاذ الخطوات المناسبة بناء على ذلك".
ومثلما يتجلى فإن هذا البيان رغم طابعه الإيجابي الواضح بالنسبة لفلسطين إذ هو يقر، بما يدعو لأي شك أو تأويل، بحقيقتين اثنتين: أولاهما بأن جرائم حرب قد ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة وثانيهما بأن الدعاوى التي قد تنشأ عن الحالة ستكون مقبولة، كما تقر المدعية العامة بعدم وجود أسباب جوهرية تدعو للاعتقاد بأن إجراء تحقيق لن يخدم مصالح العدالة.
على أن البيان في جزئه الثاني مخيب للآمال، باعتبار ما يثيره من شكوك حول الاختصاص الإقليمي للمحكمة ومن تساؤلات حول تحديد الأماكن التي ستتولى المدعية العامة مباشرة التحقيق فيها. وعليه فلا بد من انتظار قرار القضاة الثلاثة الذين يشكلون الدائرة التمهيدية الأولى الذي قد يقلص من النطاق الجغرافي للتحقيق وقد يقرّ عدم الاختصاص الإقليمي إزاء دولة إسرائيل، لكن لا يمكن أن يتراجع عن مبدأ إجراء التحقيق باعتبار ذلك اختصاصا حصريا للمدّعية العامة غير قابل للإلغاء ولا يمكن أن يغض الطرف على أن فلسطين دولة طرف بنظام روما الأساسي.
ونشير أنه يتعين على الدائرة التمهيدية الأولي أن تصدر حكمها في أجل 120 يوما إما بإقرار الاختصاص أو برفضه وهذا الحكم قابل للاستئناف أمام الدائرة الاستئنافية للمحكمة والمتركبة من خمسة قضاة. 
هذا وقد نشرت المدعية العامة في نفس يوم إصدارها للبيان تقريرا يقع في 122 صفحة أقرّت صلبه بوجود أساس معقول يدعو للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت من قبل القوات المسلّحة الإسرائيلية ولكن أيضا من قبل حركة حماس ومجموعات مسلّحة فلسطينية وهو ما يدعو للاستغراب لحشره الجاني والمجني عليه في نفس الخانة.
هذا وقد أثار بيان المدّعية العامة ردود الفعل المتداولة بالرفض والشجب والسخرية من طرف إسرائيل حيث أكد رئيس الوزراء نتنياهو أن المحكمة "لا تملك أي سلطة لإجراء هذا التحقيق" مضيفا "ليس للمحكمة ولاية قضائية في هذه القضية. المحكمة لها سلطة فقط لنظر الالتماسات التي تقدمها دول ذات سيادة. لكن لا وجود لدولة فلسطينية".  وعبرت حليفة إسرائيل في السرّاء والضرّاء، الولايات المتّحدة الأمريكيّة على نفس الموقف إذ أ كد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة تعارض "بحزم" فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في جرائم حرب إسرائيلية محتملة" وقال بومبيو "نحن نعارض بحزم هذا الأمر وأي عمل آخر، يسعى لاستهداف إسرائيل بطريقة غير منصفة" وأضاف "لا نعتقد أن الفلسطينيين مؤهلون كدولة ذات سيادة، ولهذا هم ليسوا مؤهلين للحصول على عضوية كاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية"، في حين قابلته الرئاسة والحكومة الفلسطينية بالترحيب والتأييد حيث جاء في بيان وزارة الخارجية الفلسطينية: "نرحب بهذا الإعلان، فتح التحقيق الجنائي الذي طال انتظاره في الجرائم التي ارتكبت وترتكب في أرض دولة فلسطين المحتلة بعد ما يقارب من خمس سنوات من بدء الدراسة الأولية عن الحالة في فلسطين".
وعلى كل حال، فإن هذا البيان، وبقطع النّظر عما سيتمخّض عنه في الأشهر القادمة من جدل أمام الدائرة التمهيدية الأولى، ثم ربما أمام الدائرة الاستئنافية، يشكّل سابقة قانونيّة مهمّة جدا بالنسبة للقضيّة الفلسطينية، وهي سابقة تضاف إلى الرأي الاستشاري الذي كانت صرّحت به محكمة العدل الدوليّة بخصوص الجدار العازل بالأرض الفلسطينية المحتلة في 8 جويلية (يوليو)2004، والذي رأت فيه المحكمة أن جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية غير قانوني، موصيّة بهدمه على الفور وتعويض الأضرار الناجمة عن بناءه.
هذا ونشير في الختام، وان أمام محكمة العدل الدولية الآن قضية منشورة رفعتها دولة فلسطين يوم 28 سبتمبر 2018، ضد الولايات المتحدة الأمريكية حول تحويل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وجميع هذه المساعي القانونية الفلسطينية من الأهمية بمكان لتعزيز الموقف المبني على الشرعية الدولية وعلى القرارات ذات الصلة الصادرة عن أعلى الهيئات الدولية سواء كانت سياسية أو حقوقية أو قضائية.  فبتعزيز الملف القانوني يتعزز الموقف السياسي.



[1])  المادة 12 (3)
إذا كان قبول دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي لازماً بموجب الفقرة 2: جاز لتلك الدولة بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة، أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث، وتتعاون الدولة القابلة مع المحكمة دون أي تأخير أو استثناء وفقاً للباب 9.
[2] ) المــادة (13) 
  ممارسة الاختصاص  
 للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في الما دة 5 وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
(أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقاً للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
(ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
 (ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15.

[3]  المــادة (14) 
  إحالة حالة ما من قبل دولة طرف  
 1 -يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم.
2 -تحدد الحالة، قدر المستطاع، الظروف ذات الصلة وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة.

[4] Examen préliminaire
[5] Enquête
[6] Ouverture d’une enquête
[7] Compétence territoriale

Aucun commentaire: